الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حربٌ خائبةٌ لن تزيد المرأة المحجبة إلا ثباتاً.

الحربُ على النقاب: ردّاً على مقال (فساد تحت النقاب).

حربٌ خائبةٌ لن تزيد المرأة المُحجبة إلا ثباتاً.

بقلم: د. خالد الحايك.

 

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

الخبرُ الذي نشرته جريدة الغد الأردنية يوم الاثنين (20 رجب 1430هـ، 13/7/2009م) حول انتحال رجلين مشتبه بهما بالسرقة يلبسان زياً نسائياً مغطيين وجهيهما بالنقاب، أثار (الرعب) عند بعض الكتّاب مما دفعهم إلى الكتابة حول النقاب.

وكان ممن كتب حول ذلك دكتور (متخصص في التاريخ) في جريدة الغد الأردنية يوم الخميس (23 رجب 1430هـ، 16/7/2009م)، تحت عنوان: (فساد تحت النقاب)!

وأشار الدكتور إلى هذه الحادثة، وحادثتين أخريين قام بها بعض السراقين متخفيين تحت النقاب، ثم طالب الدكتور بوضع تشريعات لعمل المنقبات أو ممارسة فعل السواقة، أو دخول المتاجر العامة.

في الحقيقة؛ إن الدكتور قد خلط بين من يستخدم النقاب في الأفعال غير المشروعة، وبين من يلبسنه عبادة، وهذه الحوادث الفردية التي أشار إليها الدكتور لا ينغي له أن تعمم بحيث يفهم من كلامه أن هناك فساداً تحت النقاب بحسب عنوان مقالته! وكذلك هذا التضخيم الذي ضخمه الدكتور من خلال هذه الحوادث الفردية كقوله: "وهل أصبح النقاب وسيلة تغطية آمنة لأي فعل خارج على القانون والأخلاق العامة والعرف؟"، وقوله: "لكن العبرة اليوم بالنتيجة العامة التي جعلت النقاب يمثل تغطية شاملة لكل ما هو لا أخلاقي"!

أقول للدكتور: هل تقضي على نسبة عظيمة ممن يرتدين النقاب عبادة بفعل هذه الحوادث الشاذة، وتجعل هذا الشذوذ هو الأصل؟

وهل ممارسة الأفعال الخارجة على القانون والأخلاق العامة والعرف لا تُفعل إلا تحت غطاء النقاب؟ أين أنت من النوادي الليلية المرخصة قانونياً، وفيها تمارس الفاحشة والرذيلة؟ وأين أنت من محلات الخمور التي بسببها ترتكب جلّ أفعال القتل والنهب والسرقة؟ وأين أنت من جرائم النصب والاحتيال التي يمارسها كثير من الناس ممن إذا نظرت إليهم لا تشك لحظة أنهم رجال أعمال؟ وأين أنت من الفساد في الأماكن العامة والخاصة؟

فلم التركيز على هذه الحوادث الشاذة؟ أمن أجل إصدار تشريعات بمنع لبس النقاب؟ إن كان هذا ما تصبو إليه، فقله بصراحة، فشيخ الأزهر ليس بمستح من ذلك، فكن مثله.

هذا وقد تعرض الدكتور إلى عدة مسائل فيها مغالطات واضحة ينبغي مناقشتها وكشف عوارها:

أولاً: قوله: "المسألة المطروحة هنا هو ما يستثمر به النقاب، من ممارسة لكثير من الأفعال والعادات كارثية النتائج. مثلاً كيف يمكن لسيدة أن تقود سيارتها في منطقة أزمات مرورية وهي ترتدي النقاب، ألا يمكن أن يكون ذلك اللباس من أحد الأسباب التي قد تحول من دون ملاحظتها لكل ما يجري حولها وبالتالي تدارك أي خطر محدق بها وبمن معها".

قلت: هذا كلام ينقض آخره أوله! فالدكتور أولاً تكلم عن مسألة استغلال أو استثمار النقاب في (كثير) - كما وصف وضخّم! - من الأفعال والعادات كارثية النتائج، ثم أتى بمثال على ذلك: مَن تقود سيارة ممن يلبسن النقاب، فما دخل من تقود السيارة بنقابها تحت عنوان مقالته: (فساد تحت النقاب)؟! فهذه المنقبة معها رخصة سياقة كما أن المتبرجة الكاسية العارية معها رخصة أيضاً، وما الفرق بين هذه وتلك؟! ثم هل عند الدكتور إحصائيات من دائرة السير تثبت أن النساء اللواتي يلبسن النقاب يقمن بأفعال كارثية النتائج؟! قال تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم}.

ثانياً: قوله: "تلك حالات فردية وحوادث عن جرائم تجري بظل النقاب الذي شوهت صورته وأسيء إليه من نساء ورجال لم يجدوا فرصة للتخفي وممارسة ما لا يقبل إلا عبر النقاب فهل يمكن وضع حد لذلك؟ وهل يمكن وضع تشريعات لعمل المنقبات أو ممارسة السواقة، أو دخول المتاجر التي يشكو كثير من مالكي محلات السوبر ماركت من ممارسة منقبات لفعل السرقة برغم أنهم يضعون كاميرات للمراقبة؟"

أقول: انظر كيف صرّح بأنها حالات فردية قد استغل النقاب من خلالها، ولكنه طالب بإصدار تشريعات لوضع حد لذلك! فهل العمل الفردي الشاذ يحتاج من الأمة إلى أن تضع تشريعاً – وهو منع النقاب كما يدور في خلد الدكتور – فيتعدى على الدِّين وحقّ المرأة في ممارسة عبادتها.

ولأضرب لك يا دكتور بعض الأمثلة الفردية التي لم تعمم ولم يطالب أحد بتقرير تشريعات تقنن هذه الظاهرة:

- حدث مرة أن شاعت قصة تواترت فيها الروايات حول اثنين (رجل ومعه امرأة) يعملان في مجال مندوبي المبيعات الذين يتجولون على المنازل بحجة الدعاية المنزلية، فما يكون منهما بعد أن يدخلا المنزل حتى ينقضا على صاحبة المنزل، وخصوصاً إن كانت وحيدة ويقتلانها، ويسرقان ما يستطيعان! فهل ثرت كما الآن لتقنن عمل مندوبي المبيعات وطالبت بوضع ما من شأنه كشف المنتحلين لهذه الوظيفة؟

ثم قل لي بالله عليك: أما تجد أنت وأمثالك إلا هذا الدين العظيم لتجلد ظهره بسوطك الغربي اللعين، الذي لا يألو جهداً في البحث عما يجده مريباً عنده في دينه هو، ليبدأ النخر والتنقيب فيه، فقط ليفسد على الناس دينهم؟

أما سمعت عن الفرقة التي تتخفى بلباس الأمن العام وتداهم البيوت بحجة البحث عن أي شيء، ثم تأتي على ما في البيت من مجوهرات أو حتى جهاز الكمبيوتر وتسرقه؟ فهل يرى الدكتور أن نشرّع قوانين تمنع الشرطة من ارتداء لباسهم الخاص بهم؟

أنا أعيش في المجتمع وقد سمعت هذه القصة مرات عديدة. وإن كان لك أن تقول بأنها إشاعة، فأقول لك بأن ما تنشره أيضاً إشاعة تفت في عضد أحد مظاهر الدين التي تعاقبت الأجيال الإسلامية على رؤيته على وجوه المسلمات في مجتمعنا!

وفي الوقت نفسه لا يطالب الدكتور بمنع العري والدعارة التي أصبحت ظاهرة بل غالبة في المجتمع!

ثم ما هو الذي يحتاج إلى وضع حد له؟! هؤلاء الذين يستغلون النقاب من السراق والحرامية إذا تم القبض عليهم فلينفذ فيهم حكم الشرع، ولا مشكلة في ذلك، وأما أن تستغل هذه الحوادث في محاربة النقاب وتخويف الناس وتحذيرهم ممن يلبسون النقاب، ومنعهم من دخول المحال التجارية، فأي إرهاب هذا الذي يدعو إليه الدكتور؟!

ثم هل عندك يا دكتور إحصائية في شكوى أصحاب مالكي محلات السوبر ماركت الذين تتكلم باسمهم؟ والله إننا نعيش في هذا المجتمع كما يعيش هو، ولم نسمع بهذه الأفعال، وإن حصلت فهي حالات فردية.

فليتق الله هذا الدكتور، وليحارب الفساد والعري والنصب والاحتيال والسرقة المنظمة وغير ذلك مما يعانيه هذا المجتمع، وليذهب الدكتور إلى المحاكم وليقم بإحصائيات ليعلم أين يكمن الفساد في المجتمع.

وليعلم أن النقاب هو عفة وطهر وصيانة للمرأة، ولن تتخلى عنه، وهذه الحوادث الفردية لن تؤثر عليه بإذن الله.

ولا يكن هاجس الدكتور هذه الحوادث الفردية مما قد يدفعه إلى مرحلة الهوس الذي أصاب من يحاربون الحجاب في تونس فمنعوا لعبة (فُلة) لأنها تلبس الحجاب!

وإن مما يؤسف له تناقل بعض وكالات الأخبار الأردنية وغيرها كقناة العربية لما كتبه الدكتور على مواقعهم الإلكترونية، وكأن ما كتبه الدكتور خبر (لُقطة) كما يقولون.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

نشرت في جريدة السبيل: 16/7/2009م.

شاركنا تعليقك