الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

سؤال عن حديث عمرو بن أمية الضّمري: «أنّه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والعمامة»؟

سؤال عن حديث عمرو بن أمية الضّمري: «أنّه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والعمامة»؟

بقلم: أبي صهيب الحايك

 

سُئِلت عن رواية الأوزاعي لحديث: عمرو بن أمية الضّمري: ((أنّه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والعمامة))، هل زيادة الأوزاعي بذكر المسح على العمامة محفوظة في هذه الرواية؟

فقلت: هذا الحديث رواه يحيى بن أبي كثير، واختلف عليه: فرواه شيبان وغيره عنه عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه وذكروا المسح فقط. ورواه الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن عمرو وذكر المسح على العمامة.

وهذا تفصيل طرق الحديث والاختلاف في متنه:

· رواية شيبان:

أخرجها البخاري في ((صحيحه)) (1/85) عن أبي نعيم. وأحمد في ((المسند)) (4/139) و (5/288) عن حسن بن موسى وحسين بن محمد، كلّهم عن شيبان بن عبدالرحمن، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري: أنّ أباه أخبره: ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)).

قال البخاري: "وتابعه حرب بن شداد وأبان عن يحيى".

· رواية حرب بن شداد:

أخرجها أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) (ص177) عنه. والنسائي في ((السنن الكبرى)) (1/91) من طريق عبدالرحمن بن مهدي، عن حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه: ((أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين)).

· رواية أبان بن يزيد العطّار:

أخرجها أحمد في ((المسند)) (4/179) عن يونس عنه، والطبراني في ((معجمه الكبير)) [كما في تغليق التعليق 2/135، وعمدة القاري: 3/100] عن محمد بن يحيى بن المنذر القزاز، عن موسى بن إسماعيل، عن أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن، عن جعفر بن عمرو بن أمية: أن أباه حدّثه: أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.

· رواية عليّ بن المبارك:

أخرجها أحمد في ((مسنده)) (4/139) و (5/287) عن أب عامر، عن علي بن مبارك، عن يحيى، عن أبي سلمة، قال: أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.

قلت: فشيبان وحرب بن شداد وأبان العطار وعلي بن المبارك اتفقوا على ذكر المسح على الخفين. وخالفهم الأوزاعي فذكر المسح على العمامة أيضاً.

· رواية الأوزاعي:

أخرجها البخاري في ((صحيحه)) (1/85) عن عبدان عن ابن المبارك عن الأوزاعي عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو، عن أبيه قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته)).

قال البخاري: "وتابعه معمر عن يحيى عن أبي سلمة عن عمرو قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم".

· رواية معمر عن يحيى:

أخرجها عبدالرزاق في ((المصنف)) (1/191) عن معمر، عن يحيى، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن عمرو بن أمية الضمري، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه)).

وأخرجها أحمد في ((المسند)) (4/179) من طريق عبدالرزاق وذكر المسح على الخفين.

وفي أمالي عبدالرزاق ((آثار الصحابة)) (ص73): قال عبدالرزاق: "هكذا قال عن أبي سلمة عن عمرو بن أمية، ولم يقل عن جعفر بن عمرو بن أمية".

قال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (2/136): "وأخرجه أبو عبدالله بن مندة في كتاب الطهارة من طريق معمر بذكر العمامة أيضاً. ووقع في روايتنا من طريق أبي ذر الهروي في الصحيح في متابعة معمر ذكر العمامة، وجزم ابن حزم بأن أبا سلمة سمع هذا الحديث من جعفر بن عمرو عن أبيه ومن أبيه أيضاً، واستند في ذلك إلى ما أخرجه من طريق مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي سلمة: حدثني عمرو، والله أعلم".

· رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي:

أخرجها الإمام أحمد في ((المسند)) (4/139) و (5/288) عن محمد بن مصعب القُرقُساني، قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)).

· رواية أبي المغيرة عن الأوزاعي:

أخرجها أحمد في ((المسند)) (4/179) و (5/288) عن أبي المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير اليمامي، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه: ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والعمامة)).

· رواية عبدالله بن داود عن الأوزاعي:

أخرجها ابن خزيمة في ((صحيحه)) (1/92) عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي، عن عبدالله بن داود، قال: سمعت الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه وعلى عمامته)).

· رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي:

أخرجها ابن ماجة في ((سننه)) (1/186) عن دُحيم، عن الوليد. وابن حبان في ((صحيحه)) (4/173) عن عبدالله بن محمد بن سلم، عن عبدالرحمن بن إبراهيم،عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: حدثني جعفر ابن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه: ((أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على العمامة والخفين)).

· رواية محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي:

قال ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)) (1/68): سألت أبي عن حديث رواه محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عمرو بن أمية الضمري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والعمامة؟ فقال أبي: "إنما هو أبو سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: أسقط محمد بن كثير جعفر بن عمرو فأخطأ.

وبهذا يتبين لنا أن جماعة رووه عن الأوزاعي فذكروا ذكر المسح على العمامة، وخالف الأوزاعي الجماعة في هذا! ومن أهل العلم من عدّ هذه الزيادة من باب ((زيادة الثقة)).

قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/308): "هكذا رواه الأوزاعي، وهو مشهورٌ عنه، وأسقط بعض الرواة عنه جعفراً من الإسناد، وهو خطأ، قاله أبو حاتم الرازي. قوله (وتابعه) أي تابع الأوزاعي معمر بن راشد في المتن، لا في الإسناد، وهذا هو السبب في سياق المصنف الإسناد ثانياً ليبين أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر. وذكر أبو ذر في روايته لفظ المتن وهو قوله ((يمسح على عمامته))، زاد الكشميهني ((وخفيه))، وسقط ذكر المتن من سائر الروايات في الصحيح. ورواية معمر قد أخرجها عبدالرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة، لكن أخرجها ابن منده في كتاب الطهارة له من طريق معمر بإثباتها. وأغرب الأصيلي فيما حكاه ابن بطال فقال: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي؛ لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها، فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد. قال: وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة، وهي أيضاً مرسلة لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو. قلت: سماع أبي سلمة من عمرو ممكن، فإنه مات بالمدينة سنة ستين، وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو، وقد روى بكير بن الأشج عن أبي سلمة أنه أرسل جعفر بن عمرو بن أمية إلى أبيه يسأله عن هذا الحديث، فرجع إليه فأخبره به، فلا مانع أن يكون أبو سلمة اجتمع بعمرو بعد فسمعه منه، ويقويه توفر دواعيهم على الاجتماع في المسجد النبوي. وقد ذكرنا أن ابن منده أخرجه من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه. وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل ولا تكون شاذة، ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية".

وتَبعه العيني فقال في ((عمدة القاري)) (3/101): "قوله (على عمامته وخفيه) وهكذا رواه الأوزاعي، وهو مشهور عنه، وأسقط بعض الرواة عنه جعفراً من الإسناد، وهو خطأ قاله أبو حاتم الرازي. وقال الأصيلي: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي؛ لأن شيبان رواه عن يحيى ولم يذكرها، وتابعه حرب وأبان والثلاثة خالفوا الأوزاعي لأن شيبان رواه عن يحيى فوجب تغليب الجماعة على الواحد. أقول: على تقدير تفرد الأوزاعي بذكر العمامة لا يستلزم ذلك تخطئته لأنه زيادة من ثقة غير منافية لرواية غيره فتقبل".

قلت: نعم، الأوزاعي ثقة، وزيادة الثقة ليست مقبولة دائماً، فهو قد خالف مجموعة من الثقات، فكيف يتفرد بها؟

ثُم إنّ المسح على العمامة ليس محفوظاً أصلاً في رواية جعفر بن عمرو عن أبيه. فقد روى الإمام أحمد في ((مسنده)) (4/139) عن ابن إسحاق قال: حدثني جعفر بن عمرو ابن أمية الضمري، وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)).

وروى البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/433) من طريق جعفر بن ربيعة، عن الزبرقان بن عبدالله بن عمرو بن أمية، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن جعفر بن عمرو ابن أمية، عن أبيه: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)).

قلت: فالمحفوظ في حديث عمرو بن أمية ذكر المسح على الخفين فقط، وهذا دليلٌ على وهم الأوزاعي في زيادة المسح على العمامة في هذا الحديث.

والمسح على العمامة محفوظ من أحاديث أخرى، والأوزاعي كان فقيهاً، فكأنه وهم في هذه الرواية من أجل ذلك، والله أعلم.

· فوائد تتعلق بهذا الحديث:

· وهم ليونس بن يزيد الأيلي صاحب الزهري!

1- روى تمَّام الرازي في ((فوائده)) (2/162) قال: أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان، قال: حدثنا أبو عبدالله أحمد بن محمد بن غالب البغدادي، قال: حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن يونس، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن عمرو بن أمية: ((أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)).

قلت: أخرج تمام هذا الطريق لأنه من الفوائد النادرة، وهو رواية الأوزاعي لهذا الحديث عن الزهري، والمحفوظ أن الأوزاعي يرويه عن يحيى بن أبي كثير كما تقدم.

ولم يأت في رواية أن الزهري روى هذا الحديث عن أبي سلمة مع أن الزهري له رواية عن أبي سلمة. والغريب أن يونس بن يزيد الأيلي مكثرٌ عن الزهري وهو صاحبه، فكيف يرويه عنه بواسطة الأوزاعي، فكأنه وهم في هذه الرواية! وهو –أي يونس- كان صاحب كتاب، وكان في حفظه شيء.

· وهم لأيوب بن عتبة اليمامي!

2- روى العقيلي في كتاب ((الضعفاء)) (1/109) قال: حدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا عبدالله بن صالح العجلي المقرىء، قال: حدثنا أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن)).

قال العقيلي: "وهذا أيضاً خطأ في إسناده ومتنه. رواه الأوزاعي وأبان العطار وعلي ابن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار. ولم يذكر التوقيت".

قلت: وهم في إسناده ومتنه أيوب بن عتبة اليمامي، فالمحفوظ في إسناده: عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه. والمحفوظ في متنه هو ذكر المسح على الخفين فقط.

· وهمان للعقيلي!

3- وقد وهم العقيلي في هذا في موضعين:

الأول: أن المحفوظ في إسناد الحديث ذكر أبي سلمة بين يحيى وبين جعفر، إلا أن يكون ذكر أبي سلمة سقط من النسخ أو من الكتاب المطبوع!

الثاني: أن رواية أبان العطار وعلي بن المبارك ليس فيها ذكر المسح على الخمار! وذكر ذلك محفوظ في رواية الأوزاعي فقط؛ فلا يجوز مساواة الروايات كلها هكذا كما فعل العقيلي - رحمه الله -.

وكتب خالد بن محمود الحايك.

16 جمادى الأولى 1429هـ.

شاركنا تعليقك