الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حديثٌ رواه النسائي في «سننه»، والبخاري في «تاريخه»، ونزاعٌ بين المزي وابن حجر في راويه محمد بن عليّ. هل هو ابن الحنفية أو الباقر؟

حديثٌ رواه النسائي في «سننه»، والبخاري في «تاريخه»، ونزاعٌ بين المزي وابن حجر في راويه محمد بن عليّ. هل هو ابن الحنفية أو الباقر؟

بقلم: أبي صهيب الحايك.

 

روى النسائي في ((السنن الكبرى)) (5/427) من طريق عبدالصمد بن عبدالوارث، والبخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/88) حبان بن هلال وحرمي ابن عمارة، كلهم عن بكر المُزَلِّق قال: حدثنا عبدالله بن عطاء الهاشمي، عن محمّد بن عليٍّ، قال: سألتُ عائشةَ  -رضي الله عنها-: ((أكان رسول الله e يتطيّب؟ قالت: نعم، بِذِكارَة الطِّيب: المسكِ والعنبرِ.)).

قلت: هكذا جاء في الحديث: "سألت عائشة"، وهو كذلك في نسخة مؤسسة الرسالة التي أشرف عليها شعيب الأرنؤوط من السنن الكبرى (8/344).

وأخرجه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (1/399) عن موسى بن إسماعيل، قال: أخبرنا أبو بشر، قال: أخبرنا عبدالله بن عطاء المكي، عن محمد بن علي، قال: قلت لعائشة: يا أمه، أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب؟ فذكره.

قلت: مشكلة الحديث هي في معرفة من هو محمد بن علي هذا؟

ذهب المزي في ((تحفة الأشراف)) (12/298) إلى أنه محمد بن علي هو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر، وذكر أن له عن عائشة حديثان، الأول: سئلت عائشة: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الحديث. والثاني: حديثنا هذا.

وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في ((النكت الظراف)) فقال: "حديث: سألت عائشة: أكان يتطيب... قلت: محمد بن علي في هذا الحديث هو ابن الحنفية خلاف الأول؛ فإنه ابن ابن أخيه، وإني لأتعجب كيف خفي على المصنف ذلك مع جزمه في الترجمة بأن أبا جعفر لم يدرك عائشة، فكيف يجوز عليه أن يقول: سألت عائشة!"

وتبعه د. محمد بن عبدالكريم بن عبيد في كتابه ((تخريج الأحاديث المرفوعة المسندة في كتاب التاريخ الكبير)) (2/800)، فجزم بأنه ابن الحنفية.

قلت: ما ذهب إليه المزي هو الصواب إن شاء الله، فإن محمداً هذا هو أبو جعفر الباقر، ولم يدرك عائشة، وما جاء في الرواية ((سألت عائشة)) خطأ، والصواب: ((سُئِلَت عائشة)) هكذا دون سماع، فقديماً كانوا يكتبون ((سألت)) هكذا ((سئلت))، ولذلك أورد المزي هذا الحديث لأبي جعفر الباقر.

وما جاء في رواية ابن سعد ((قلت لعائشة...)) خطأ أيضاً، والصواب: ((قيل لعائشة))، وهو لا شك تصرفٌ من الرواة أو أخطأ فيه المزلق، وفيه كلام وستأتي ترجمته، أو أن لفظ: ((قلت لعائشة)) تصحفت عن ((سئلت عائشة))، فالله أعلم.

وقد أشار المزي في ((تهذيب الكمال)) (26/138) في ترجمة ((محمد بن علي بن الحسين أبي جعفر الباقر)) إلى روايته هذه عن عائشة عند النسائي. وأيّد ذلك الإمام الذهبي، فقال في ((السير)) (4/402): "وروايته عن الحسن وعائشة في سنن النسائي، وذلك منقطع".

قال ابن طهمان: سمعت يحيى وسئل عن محمد بن علي سمع من أم سلمة؟ فقال: "روى مرسلاً، وقد عُمرت" يعني أم سلمة.

وسمعته يقول: "ماتت عائشة قبل أم سلمة رضي الله عنها. وماتت عائشة وأبو هريرة سنة خمس وخمسين" (من كلام ابن معين في الرجال، رواية ابن طهمان: ص72).

وقال أبو طالب أحمد بن حميد: سألت أحمد بن حنبل عن محمد بن علي: سمع من أم سلمة شيئاً؟ قال: "لا يصح أنه سمع". قلت: فسمع من عائشة؟ فقال: "لا، ماتت عائشة قبل أم سلمة".

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "أبو جعفر محمد بن علي لم يلق أم سلمة" (المراسيل: 1/185).

ويؤيد ما ذهبت إليه أنّ الراوي عن محمد بن عليّ هذا هو عبدالله بن عطاء مولى بني هاشم، وهو لم يدرك محمد ابن الحنفية، فإنّ محمد ابن الحنفية توفي –على الراجح- سنة (73هـ) وقيل سنة (80هـ) والأول أرجح، والله أعلم.

وعبدالله بن عطاء ذكره البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/165) – هكذا دون نسبة -وروى عن أبي داود الطيالسي عن شعبة قال: سألت أبا إسحاق السبيعي عن عبدالله بن عطاء الذي روى عن عقبة: كنّا نتناوب رعية الإبل؛ فقال: شيخٌ من أهل الطائف. قال شعبة: فلقيتُ ابنَ عطاء فسألته: أسمعته من عقبة؟ فقال: لا، حدثنيه سعد بن إبراهيم؛ فلقيت سعداً، فقال: حدثنيه زياد بن مِخراق؛ فلقيت زياداً، فقال: حدثني رجلٌ عن شَهر ابن حوشب".

قال الذهبي: "ورواه نصر بن حماد عن شعبة بقصة أطول من هذا. ولعبدالله رواية عن عبدالله بن بريدة في الحج".

قال فيه النسائي: "ليس بالقوي." وقال الترمذي: "ثقة." وقال الذهبي: "صدوق إن شاء الله".

وقد ترجم ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/132) لعبدالله بن عطاء –هكذا دون نسبة- وقال: "روى عن أبي جعفر محمد بن عليّ، وابن بريدة، ومحمد بن سيرين. روى عنه عبدالملك بن أبي سليمان وابن أبي ليلى والحسن بن الحر والثوري ومروان بن معاوية، سمعت أبي يقول ذلك".

ثمّ قال: "عبدالله بن عطاء المكي مولى بني هاشم. روى عن محمد بن علي. روى عنه أبو بشر المزلق. سمعت أبي يقول ذلك".

فابن أبي حاتم لم يعدهما واحداً، وذكر أن الأول روى عن أبي جعفر الباقر، والثاني روى عن محمد بن علي، أما البخاري ففعله يدل على أنهما واحداً، وذكر أنه: "عبدالله بن عطاء أبو عطاء، يقال مولى المطلب."

وقد ترجم المزي لعبدالله بن عطاء في ((تهذيب الكمال)) (15/311) وذكر الاختلاف فيه، فقال: "عبدالله بن عطاء الطائفي المكي، ويُقال المدني ويقال الواسطي، ويقال الكوفي، أبو عطاء مولى المطلب بن عبدالله بن قيس بن مخرمة. وقيل مولى بني هاشم. ومنهم من جعلهما اثنين، ومنهم من جعلهم ثلاثة." ثمّ ذكر أنه روى عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، وأخرج حديثه النسائي، وروى عنه أبو بشر بكر بن الحكم المزلّق".

قلت: وظاهر تصرف الحافظ ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (5/322) أنهما واحد، وعليه يكون ابن حجر قد خالف قوله بتعقبه المزي في النكت الظراف.

والقصة التي رواها شعبة عنه تدل على أنه لا يمكن أن يروي عن محمد بن الحنفية، وقد روى عنه أبو إسحاق السبيعي، وهو أكبر منه، فإذا كان السبيعي لم يروي عن ابن الحنفية فكيف يروي عنه عبدالله بن عطاء هذا؟! (مولد السبيعي في حدود سنة 34هـ ووفاته كانت سنة 127هـ).

قال يحيى بن معين: "عبدالله بن عطاء هذا كوفيّ، كان ينـزل مكة، وقد روى عنه إبو إسحاق السبيعي، وحِبّان ومِندل ابنا عليّ".

وبهذا يتبيّن لنا أن محمد بن علي هو الباقر وليس ابن الحنفية، والله أعلم وأحكم.

والحديث الثاني الذي ذكره المزي في ((التحفة)) ذكره في ترجمة ((محمد بن علي بن الحسين بن علي أبي جعفر عن حفصة)) (11/288) (15809) "حديث: سألت عائشة: ما كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: أدم حشوه ليف. وسألت حفصة: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: مِسْح نثنيه ثِنْيتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثنيات... الحديث. رواه الترمذي في الشمائل عن أبي الخطاب زياد بن يحيى البصري عن عبدالله بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه به. هكذا في الأصول من الشمائل، وهو في باب فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر الكتاب".

قلت: وهو في المطبوع من ((الشمائل)) (ص270) عن محمد بن علي، عن أبيه قال: سُئِلت عائشة: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: من أدم حشوه من ليف. وسُئِلت حفصة، الحديث.

قلت: والصواب في هذا الحديث بلفظ ((سُئِلت))؛ لأن علي بن الحسين لم يدرك حفصة، وماتت حفصة سنة (41هـ)، وهذا يؤكد أن الصواب في الحديث الأول عن أبي جعفر ولفظه: ((سُئِلت...)) لا ((سألت)).

ويُحتمل أن الحديث الأول عن أبي جعفر عن أبيه، فسقطت عن أبيه؛ وعلى كلّ حال فمحمد بن علي هو الباقر، وإن سَلِم الحديث من الانقطاع إذا ثبت أن لفظ "أبيه" سقط من الرواية، فيبقى الكلام في راويه بكر المزلق، وهو: بكر بن الحكم أبو بشر التميمي اليربوعي صاحب البصري.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/88): "بكر بن الحكم أبو بشر التميمي اليربوعي صاحب البصري: سمع عبدالملك بن عطاء ويزيد الرقاشي. سمع منه حرمي بن عمارة، وحدثنا موسى بن إسماعيل عنه. وقال لي أحمد بن سعيد: حدثنا حبان قال: حدثنا بكر المزلق قال: حدثنا عبدالله بن عطاء مولى بني هاشم، عن محمد بن علي: سألت عائشة، أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعطر؟ قالت: نعم، بذكارة العطر المسك والعنبر. وقال أبو عبدالرحمن بن هانئ: أخبرنا حرمي قال: حدثني أبو بشر صاحب البصري، عن عبدالله بن عطاء المكي، وليس بابن أبي رباح، عن محمد بن علي: سألت بهذا".

وذكره ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/383)، وقال: "سألت أبا زرعة عن أبي بشر المُزَلَّق؟ فقال: شيخٌ ليس بالقويّ".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6/104) فقال: "بكر بن الحكم اليربوعي التميمي، كنيته أبو بشر، من أهل البصرة. يروي عن يزيد الرقاشي. روى عنه حرمى بن عمارة، وهو الذي يُقال له بكر المزلق الذي روى عنه حبان بن هلال".

وقال الذهبي في ((الميزان)) (1/344): "صدوق. وقال التَّبوذكي: ثقة." ثم قال: "قلت: روى خبراً منكراً - قاله أبو حاتم، عن ثابت عن أنس عن النبيّ e، قال: ((إنّ لله رجالاً يعرفون الناس بالتوسُّم)).

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص126): "بكر بن الحكم التميمي أبو بشر المزلق بالزاي والقاف وتشديد اللام، جار حماد بن زيد، صدوق فيه لين".

فالحديث منقطع لا يحتج به، وسنده في كلام، ويحتمل أن الذي أخطأ فيه هو بكر المزلق، والله تعالى أعلم وأحكم.

والحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك.

10/5/1429هـ.

شاركنا تعليقك