الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

منهج البخاريّ في إثبات السماع في «التاريخ الكبير» (6).

منهج البخاريّ في إثبات السماع في «التاريخ الكبير» (6).

 

بقلم: أبي صهيب الحايك.

 

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/21): "أسامة بن سلمان، هو النخعي الشامي: سمع أبا ذر وابن مسعود. قال لنا عاصم بن علي: حدثنا عبدالرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن عمر بن نعيم، عن أسامة بن سلمان، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله عز وجل يقبل توبة عبده ما لم يقع الحجاب أو يموت وهو مشرك".

وقال فيه أيضاً (2/161): "ثابت بن ثوبان، ويقال: العنسي أو العبسي: سمع مكحولاً. روى عنه الأوزاعي ويحيى بن حمزة الشامي. قال أبو داود: حدثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان: سمع أباه، عن مكحول: أن ابن نعيم أخبره: أن أبا ذر أخبره: سمع النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الله عز وجل يقبل توبة عبده ما لم يقع الحجاب: أن تخرج النفس وهي مشركة)). وقال لنا علي بن عياش: حدثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن عمر بن نعيم، عن أسامة بن سلمان، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا".

وقال أيضاً (6/202): "عمر بن نعيم: سمع أسامة بن سلمان. روى عنه مكحول. في الشاميين".

قلت: اعتمد البخاري في هذه التراجم الثلاثة على حديث واحد. فأثبت من خلاله سماع أسامة ابن سلمان من أبي ذر، وأثبت سماع عمر بن نعيم من أسامة، وسماع ثابت من مكحول، وبيّن الخلاف في إسناد الحديث بإسقاط عمر بن نعيم منه، وظاهر تصرفه من خلال عرض الحديث في ترجمة ثابت، ومن خلال ترجمة أسامة وعمر بن نعيم أنه يرجّح إثباته في الإسناد.

وقد تبع البخاري في إثبات السماع: أبو حاتم وابنه وابن حبان كعادتهم.

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/284): "أسامة بن سلمان: روى عن أبي ذر، روى مكحول عن عمر بن نعيم عنه. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (4/45): "أسامة بن سلمان النخعي، عداده في أهل الشام. يروي عن أبى ذر وابن مسعود. روى عنه عمر بن نعيم من حديث مكحول، منهم من قال: عن مكحول عن أسامة بن سلمان عن أبي ذر، ومنهم من قال: عن مكحول عن عمر بن نعيم عن أسامة بن سلمان".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/137): "عمر بن نعيم، شامي: سمع أسامة بن سلمان. روى عنه مكحول. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (7/179): "عمر بن نعيم، يروي عن أسامة بن سلمان. عداده في أهل الشام، روى عنه مكحول".

· تخريج الحديث والحكم عليه:

رواه الإمام أحمد في ((المسند)) (5/174) عن سليمان بن داود أبي داود الطيالسي وزيد بن الحباب وعليّ بن عياش وعصام بن خالد.  ورواه البزار في ((مسنده)) (9/444) من طريق الهيثم بن جميل. ورواه ابن حبان في ((صحيحه)) (2/393) من طريق عمرو بن عثمان عن أبيه. ورواه الحاكم في ((المستدرك)) (4/286) من طريق عبدالله بن صالح بن مسلم العجلي، كلّهم عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: حدثني أبي، عن مكحول، عن عمر بن نعيم حدّثه عن أسامة بن سلمان: أنّ أبا ذر حدّثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يقبل توبة عبده -أو يغفر لعبده- ما لم يقع الحجاب. قالوا: يا رسول الله، وما الحجاب؟ قال: أن تموت النفس وهي مشركة)).

ورواه البزار في ((مسنده)) (9/444) من طريق أبي داود الطيالسي، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: حدثني أبي، عن مكحول، عن ابن نعيم -هكذا قال-: إن أبا ذر حدثهم: أن رسول الله قال، فذكره.

قال البزار: "وهذا الكلام لا نعلمه يروى إلا عن أبي ذر بهذا الإسناد".

قلت: سبق الإشارة إلى رواية أبي داود عند أحمد وفيها أسامة بن سلمان بين ابن نعيم وأبي ذر، فلعل هناك سقطاً في نسخة البزار، والله أعلم.

ورواه يعقوب الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (2/209)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2/393) من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن أسامة بن سلمان، قال: حدثنا أبو ذر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (8/87): "أسامة بن سلمان النخعي، ويقال العنسي، من أهل دمشق. روى عن ابن مسعود وأبي ذر. روى عنه عمر بن نعيم، وقيل روى عنه مكحول أيضاً، وهو وهم".

ثُم ساق رواية الوليد بن مسلم، ثم قال: "قال البيهقي: كذا قال الوليد بن مسلم، يعني أنه لم يذكر في إسناده عمر بن نعيم. خالفه جماعة فرووه عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن عمر بن نعيم عن أسامة بن سلمان، منهم: علي بن الجعد وزيد بن الحباب وعلي بن عياش وعاصم بن علي والهيثم بن جميل البغدادي نزيل إنطاكية ". ثُم ساق هذه الروايات بأسانيدها.

والحديث صححه الحاكم فقال: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه".

وضعّفه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على ((صحيح ابن حبان)) (2/394)، و ((مسند أحمد)) رقم (21522) فقال: "إسناده ضعيف لجهالة عمر بن نعيم وشيخه أسامة بن سلمان".

وقال الذهبي في ((المغني في الضعفاء)) (2/475): "عمر بن نعيم: روى عنه مكحول، ولا يُعرف".

وقال في ((ميزان الاعتدال)) (5/275): "عمر بن نعيم: حدّث عنه مكحول، لا يُدرى من هو".

قلت: بل هما معروفان.

قال أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي العليا: "أسامة بن سلمان النخعي يحدّث عن أبي ذر وابن مسعود".

وقال أبو الحسن محمود بن إبراهيم بن سميع في الطبقه الثانية: "أسامة بن سلمان النخعي، دمشقي حفظ عن ابن مسعود".

وقال أبو زرعة في طبقة تلي الطبقة العليا من تابعي أهل الشام، وقال في الطبقة الثالثة: "عمر بن نعيم والحارث بن الحارث، روى عنهما مكحول".

وقال أبو الحسن بن سميع في الطبقة الثالثة: "عمر بن نعيم العنسي، معلم بني يزيد بن معاوية. روى عن معاوية" (تاريخ دمشق: 45/353).

وقال ابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص27) في ترجمة ((أسامة بن سلمان النخعي)): "قلت لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحاً ولم يذكروا له راوياً غير عمر، ولكن قال ابن عساكر: قيل: روى عنه مكحول أيضاً، وهو وهم، وإنما جاءت الرواية عنه من طريق الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان عن مكحول عنه عن أبي ذر، وخالفة الهيثم بن جميل فرواه عن ابن ثوبان عن مكحول عن عمر ابن نعيم عن أسامة، وكذلك قال زيد بن الحباب وعلي بن عياش وعاصم بن علي وعلي بن الجعد كلهم عن ابن ثوبان، ثم ساق الأسانيد عنهم بذلك. قلت: وهو عند أحمد عن سليمان بن داود وعن زيد بن الحباب وعن علي بن عياش وعصام بن خالد كلهم عن ابن ثوبان كذلك".

قلت: الحديث حسنُ إن شاء الله.

وكتب: خالد الحايك.

9/5/1429هـ.

شاركنا تعليقك