الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

مناقشة الألباني ونقد كلامه في التعليق على أحد الأحاديث.

مناقشة الألباني ونقد كلامه في التعليق على أحد الأحاديث.

 

بقلم: خالد الحايك.

 

خرّج الألباني في ((الإرواء)) (7/139) (حديث ركانة: ((أنه طلق البتة، فاستحلفه النبي صلى الله عليه وسلم: ما أردت إلا واحدة، فحلف، فردها عليه)). رواه أبو داود).

1- قال الشيخ: "ضعيف. أخرجه أبو داود (2208) والترمذي أيضاً (1/220) والدارمي (2/163) وابن ماجة (2051) وابن حبان (1321) والدارقطني (439) والحاكم (2/199) والبيهقي (7/342) وكذا الطيالسي (1188) والعقيلي في ((الضعفاء)) (ص145، 215، 300) وابن عدي في ((الكامل)) (ق 150/1) كلّهم من طريق جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده: ((أنه طلق امرأته البتة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أردت؟ قال: واحدة، قال: آلله، قال: هو على ما نويت)).

وقال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمداً (يعني البخاري) عن هذا الحديث، فقال: فيه اضطراب".

وأقول: هو إسناد ضعيف مسلسل بعلل:

الأولى: جهالة علي بن يزيد بن ركانة، أورده العقيلي في ((الضعفاء)) في الموضع الثالث المشار إليه، وساق له هذا الحديث، وروى عَقِبه عن البخاري أنه قال: "لم يصح حديثه".

وكذا في ((الميزان)) للذهبي، و ((التهذيب)) لابن حجر، وذكر أنه روى عنه ابناه: عبدالله ومحمد. وذكره ابن حبان في ((الثقات)). وقال في ((التقريب)): ((مستور)). انتهى.

قلت: الألباني يتعامل مع الرواة وأحوالهم بحسب ما يجده في التقريب وغيره من المختصرات! فكيف يكون عليّ بن يزيد مجهولاً؟ وهو من أولاد ركانة المعروفين.

نعم، قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/300): "علي بن يزيد بن ركانة القرشي عن أبيه: لم يصح حديثه".

وعنى بذلك أن الحديث الذي رُوي عنه لا يصحّ؛ فهو لم يرويه أصلاً. ولهذ أورده ابن عدي في ((الكامل)) (5/208) والعقيلي في ((الضعفاء)) (3/254) وذكرا في الترجمة كلام البخاري.

وإيراد ابن حبان له في الثقات صحيح. قال في ((الثقات)) (5/165): "علي بن يزيد ابن ركانة. يروي عن جده، وله صحبة فيما يقال. روى عنه ابنه عبدالله بن علي".

ولهذا قال عنه ابن حجر مستور، ومستور عنده لا تعني الجهالة كما ذهب الشيخ الألباني، والمستور عند ابن حجر أعلى من المجهول، وهو  يحسن حديث المستور.

2- قال الشيخ: "الثانية: ضعف عبدالله بن علي بن يزيد، أورده العقيلي أيضاً في ((الضعفاء)) وقال: ((ولا يتابع على حديثه، مضطرب الإسناد)). ثُم ساق له هذا الحديث. ونقله عنه الذهبي في ((الميزان)) وأقره. وقال الحافظ في ((التقريب)): ((لين الحديث))". انتهى.

قلت: إيراده في الضعفاء لا يعني أنه ضعيف! فإنما أوردوه في الضعفاء؛ لأن هذا الحديث لم يثبت من هذا الطريق. وأما الاضطراب فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/147): "عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة القرشي. روى عنه الزبير بن سعيد أخو محمد. أبو غسان: حدثنا جرير بن حازم، عن الزبير، عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جدّه: طلق ركانة البتة. قال محمّد: أخبرنا عبدالله قال: أخبرنا الزبير بن سعيد: أخبرني عبدالله بن علي بن يزيد".

قلت: يريد البخاري بيان أن الزبير بن سعيد الهاشمي تفرد بالرواية عن عبدالله بن علي ابن يزيد؛ فإن كان فيما رُوي عنه شيء، فالمشكلة ليست فيه، ولكن فيمن روى عنه أو ممن هو دونه.

· وهم للمعلمي اليماني!

قال المعلمي في التعليق على الترجمة السابقة عند البخاري: "محمد هو ابن إسماعيل البخاري صاحب الكتاب، وعبدالله هو ابن علي المديني".

قلت: هذا خطأ! والصواب أن محمداً هذا هو أحد شيوخ البخاري، وعبدالله هو ابن المبارك، فهو الذي يروي هذا الحديث عن الزبير.

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/114): "عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة القرشي، أخو محمد بن علي. روى عن أبيه. روى عنه الزبير بن سعيد. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (7/15) فقال: "عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة: يروي عن أبيه عن جده. روى عنه الزبير بن سعيد".

قلت: روايته عن أبيه عن جدّه فيها نظر! وحديثه في الطلاق لم يصح عنه. وما أظن أنه رواه! وقد وقع اضطراب في الرواية كما قال البخاري وسيأتي الكلام عليها.

فقول العقيلي لم يتابع عليه فيه نظر! لأنه لو ثبت عنه لما احتاج إلى متابعة؛ لأنه ثقة. وتليين ابن حجر له اعتمد فيه على كلام العقيلي وغيره في هذه الرواية، وكلّ ذلك لا يصح.

3- قال الشيخ: "الثالثة: ضعف الزبير بن سعيد أيضاً، أورده العقيلي أيضاً، وروي عن ابن معين: ((ليس بشيء))، وفي رواية ((ضعيف)). وفي ((الميزان)): ((روى عباس عن ابن معين ((ثقة)). قال أحمد: فيه لين. وقال أبو زرعة: شيخ)). وفي ((التهذيب)): ((قال العجلي: وروى حديثاً منكراً في الطلاق)). يعني هذا. وقال الحافظ في ((التقريب)) ((لين الحديث))". انتهى.

قلت: ترجمه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/415) فقال: "الزبير بن سعيد الهاشمي القرشي، عن عبدالله بن علي بن يزيد وصفوان بن سليم. روى عنه جرير بن حازم وابن المبارك".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/582): "الزبير بن سعيد الهاشمي، ويكنى أبا القاسم. روى عن صفوان بن سليم وعلي بن عبدالله بن يزيد. روى عنه جرير ابن حازم وابن المبارك وسعيد بن زكريا وأبو عاصم النبيل. سمعت أبي يقول ذلك. قُرِئَ على العبّاس بن محمّد الدُّوري عن يحيى بن معين أنه قال: الزبير بن سعيد ليس بشيء".

وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (القسم المتمم) (ص391): "الزبير بن سعيد ابن سليمان بن سعيد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم. وأمه حميدة، وهي حمادة بنت يعقوب بن سعيد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب. فولد الزبير بن سعيد القاسم وبه كان يكنى، ومحمد الأكبر ورقية درجوا وأمهم أم المغيرة بنت إسحاق بن سليمان بن سعيد بن نوفل بن الحارث، وإسحاق والطاهر وبريكة وأم القاسم وفاطمة وأم سعيد وهم لأم ولد، والحسن وسعيداً ومحمد الأصغر وإبراهيم وسحيقة وسكينة وزينب وأمهم ابنة حسن بن الزبير بن الوليد بن سعيد بن نوفل، والفضل ومحمد الأوسط وكلثوم الكبرى وكلثوم الصغرى وعائشة كلّهم لأم ولد درجوا. وكان الزبير قليل الحديث. توفي في خلافة أبي جعفر".

وقال أبو عبيد الآجري (كما في سؤالاته) (ص310): وسئل أبو داود عن الزبير بن سعيد؟ فقال: "في حديثه نكارة! لا أعلمني إلا سمعت يحيى يقول: هو ضعيف".

وذكره ابن عدي في ((الكامل)) (3/224) وقال: حدثنا ابن حماد، قال: حدثنا العباس، عن يحيى قال: "زبير بن سعيد: سمع منه جرير بن حازم وأبو عاصم النبيل: ليس بشيء". وقال: حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي: سمعت عباس يقول: "الزبير بن سعيد الهاشمي: ثقة". وقال النسائي: "ضعيف".

وذكر له خمسة أحاديث:

1- جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبدالله بن علي بن زيد بن ركانة عن أبيه عن جده: ((أنه طلق امرأته البتة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: ما أردت بها؟ قال: واحدة. قال: آلله. قال: آلله. قال: هو على ما أردت".

قال ابن عدي: "وهذا يعرف بجرير عن الزبير، ولا أعلم يرويه غيره".

2- ابن المبارك عن زبير بن سعيد عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يزل بها أبعد من الثريا)).

قلت: أخرجه أحمد في ((المسند)) (2/402)، وابن حبان في ((صحيحه)) (13/24). وهو في ((الزهد)) لابن المبارك (ص332). قال ابن صاعد: "لا أعلم روى هذا الحديث إلا ابن المبارك بهذا الاسناد". وقال أبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) (3/164): "غريب من حديث صفوان! تفرد به الزبير".

3- سعيد بن زكريا المدائني عن الزبير بن سعيد الهاشمي عن عبدالحميد بن سالم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لعق ثلاث غدوات في كلّ شهر لم يصبه عظيم البلاء أبداً-  يعني العسل)).

4- سعيد بن زكريا المدائني عن الزبير بن سعيد عن ابن المنكدر عن جابر قال: ((كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم ننصرف فنأتي بني بياضة، وإن أحدنا ليرى موضع نبله)).

5- عبد الله بن ميمون القداح عن الزبير بن سعيد عن محمد بن المنكدر قال -لا أراه إلا عن جابر- قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم  إذا ائتزر وضع صنفة إزاره ها هنا)).

قال ابن عدي: "وهذا لا أعرفه إلا عن عبدالله بن ميمون عن الزبير".

قلت: عبدالله بن ميمون القداح منكر الحديث واهي.

وقال في ((الكامل)) (4/188): "والزبير بن سعيد عزيز الحديث".

وذكره العقيلي في ((الضعفاء)) (2/89) وذكر في ترجمته حديث الطلاق، وحديث الحميدي عن سفيان قال: حدثنا الزبير بن سعيد الهاشمي، عن زياد بن إسماعيل السهمي: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسترضع بلبن الحمقاء)) وقال: ((اللبن يشتبه عليه)).

قال العقيلي: "لا يُتابع عليهما، ولا يعرفان إلا به".

قلت: زياد فيه كلام. ضعفه يحيى. قال يعقوب بن سفيان في ((المعرفة والتاريخ)) (3/190): "زياد ليس حديثه بشيء، وهو مكي". وقال أيضاً (3/272): "زياد مولى من موالي مكة، ضعيف لا يفرح بحديثه".

قلت: وحديث اللبن هذا مرسل باطل.

قال إبراهيم بن عبدالله بن الجنيد: سألت يحيى بن معين عن الزبير بن سعيد الهاشمي؟ فقال: "ضعيف، كان ينـزل المدائن، يحدّث عنه جرير بن حازم وعبدالله بن المبارك وإسماعيل بن عياش وغيرهم".

وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى يقول: "الزبير بن سعيد كان ينـزل المدائن، وكان ضعيفاً".

وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين قال: "الزبير بن سعيد ضعيف الحديث".

وقال عبدالله بن علي بن عبدالله المديني قال: وسألته -يعني أباه- عن الزبير بن سعيد الهاشمي: وكان ينـزل المدائن فضعفه.

وقال أبو بكر المروذي: سألته -يعني أحمد بن حنبل- عن الزبير بن سعيد؟ فلين أمره.

وقال أبو علي صالح بن محمد جزرة: "الزبير بن سعيد الهاشمي كان يكون بالبصرة، روى حديثين أو ثلاثة مجهول". (تاريخ بغداد: 8/464).

وقال الدارقطني: "يعتبر به". وقال الحاكم أبو أحمد: "ليس بالقوي عندهم". وقال ابن أبي خيثمة: "يروي عن ابن المنكدر مناكير". وقال الصريفيني: "توفي سنة بضع وخمسين ومئة". (تهذيب التهذيب: 3/271).

قلت: الأئمة على تضعيفه. وقد ذكروا أنه كان ينـزل المدائن. ولكن فرّق ابن حبان بينه وبين المدائني! فقال في ((المجروحين)) (1/313): "الزبير بن سعيد المدائني: شيخ يروي عن عبدالحميد بن سالم. روى عنه سعيد بن زكريا المدائني. قليل الحديث، منكر الرواية فيما يرويه، يجب التنكيب عن مفاريده، والإحتجاج بما وافق الثقات عنه. روى عن عبدالحميد بن سالم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لعق ثلاث لعقات عسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء. حدثناه حاجب ابن أركين الفرغاني حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا سعيد بن زكريا المدائني حدثنا الزبير بن سعيد. وليس هذا بالزبير بن سعيد صاحب عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة".

وذكر في ((الثقات)) (5/127): "عبدالحميد بن سالم: يروي عن أبي هريرة. روى عنه الزبير بن سعيد".

وقال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/54): "عبدالحميد بن سالم. قال ابن الطباع: حدثنا سعيد بن زكريا –مدائني- حدثنا الزبير بن سعيد الهاشمي عن عبدالحميد عن أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء. ولا نعرف سماعه عن أبي هريرة".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/13): "عبدالحميد بن سالم. روى عن أبي هريرة، ولا يعرف سماعه من أبي هريرة. روى عنه الزبير بن سعيد الهاشمي. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره العقيلي في ((الضعفاء)) (3/40) وذكر له هذا الحديث، ثُم قال: "ليس له أصل عن ثقة".

قلت: ظاهر كلام البخاري أنه أعله بعدم سماع عبدالحميد هذا من أبي هريرة، ولم يعلّه بالزبير. وعبدالحميد لا يعرف إلا في هذا الحديث، وحاله مجهولة، وحديثه منكرٌ باطلٌ.

والذي أميل إليه أن ابن حبان قد وهم في تفريقه بين الزبير بن سعيد الهاشمي، وبين الذي يروي عن عبدالحميد، فهما واحد، وكان الزبير الهاشمي ينـزل المدائن.

وكأن الصواب في حاله أن حديثه يكتب ويعتبر به، وبعض المناكير في حديثه ليس منه، وإنما من الرواة عنه!

4- قال لألباني: "الرابعة: الاضطراب كما سبقت الإشارة إليه عن البخاري، وبيانه أن جرير بن حازم قال: عن الزبير بن سعيد عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق. فجعله من مسند يزيد بن ركانة.

وخالفه عبدالله بن المبارك فقال: أخبرنا الزبير بن سعيد، قال: أخبرني عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة قال: ((كان جدي ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته البتة)). فأرسله.

أخرجه الدارقطني من طريق ابن حبان: أخبرنا ابن المبارك به. وقال: ((خالفه إسحاق بن أبي إسرائيل)). ثُم ساقه من طريقه: حدثنا ابن المبارك: أخبرني الزبير بن سعيد عن عبدالله بن علي بن السائب عن جده ركانة بن عبد يزيد به.

فهذه ثلاثة وجوه من الاضطراب على الزبير بن سعيد نلخصها كما يلي:

الأول: عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده يعني يزيد.

الثاني: عن عبدالله بن علي بن يزيد كان جدي ركانة، فأرسله.

الثالث: عن عبدالله بن علي بن السائب عن جده ركانة.

فجعل في هذا الوجه عبدالله بن علي بن السائب مكان عبدالله بن علي بن يزيد، وهو خير منه كما يأتي. ويرجح الوجه الثالث أن الزبير قد توبع عليه" ثُم ساق الشيخ حديث الشافعي عن محمد بن علي بن شافع عن عبدالله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة، ثُم خرّجه، ثُم قال: "وهذا الإسناد أحسن حالاً من الذي قبله، فإن رجاله ثقات لولا أن نافع بن عجير لم يوثقه غير ابن حبان، وأورده ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولهذا قال ابن القيم في ((الزاد)) (4/59): ((مجهول، لا يعرف حاله البتة)). ومما يؤكد جهالة حاله تناقض ابن حبان فيه، فمرة أورده في ((التابعين)) من ((ثقاته))، وأخرى ذكره في الصحابة، وكذلك ذكره فيهم غيره، ولم يثبت ذلك كما أشار إليه الحافظ في ((التقريب)): ((قيل: له صحبة)). وله حديث آخر منكر المتن لفظه: ((علي صفيي وأميني)). أخرجه ابن حبان في ((الصحابة))! ولذلك ضعف الحديث جماعة من العلماء، فقال الإمام أحمد: ((وطرقه كلها ضعيفة))". انتهى.

قلت: على كلامه مؤاخذات:

1- هذا الحديث رواه جماعة عن جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده! فيحتمل أنه أراد بجده ركانة.

وخالفه ابن المبارك. فرواه حبان بن موسى عن ابن المبارك عن الزبير بن سعيد عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة قال: طلق جدي ركانة فأرسله، ولم يقل في الإسناد "عن أبيه".

وخالفه إسحاق ابن أبي إسرائيل ويحيى بن عبدالحميد الحماني فروياه عن ابن المبارك عن الزبير عن عبدالله بن علي بن السائب عن جده ركانة بن عبد يزيد. (سنن الدارقطني: 4/34، والمعجم الكبير: 5/70).

قلت: ورواية إسحاق ويحيى أرجح من رواية حبان بن موسى. وهذه هي الرواية الصحيحة عن الزبير، ولكن الزبير أسقط من إسناد الحديث: نافع بن عجير. هكذا رواه محمد بن علي بن شافع قريب أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي عن عبدالله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة بن عبد يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: فتبيّن من هذا أن لا مدخل لعبدالله بن علي بن يزيد في هذا الحديث، والحديث حديث عبدالله بن علي بن السائب.

وقد تفرد جرير بالإسناد الذي رواه به، وكأنه وهم فيه في موضعين: الأول: أنه نسب شيخ الزبير ((عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة))، وإنما هو: ((عبدالله بن علي)) وهكذا رواه عنه أبو نصر التمار دون نسبة. وهكذا رواه عنه أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) (ص164). ورواه عنه أبو الربيع الزهراني وشيبان فقالا: ابن يزيد بن ركانة. والموضع الثاني: أنه سلك الجادة، فقال عن عبدالله بن علي بن يزيد عن أبي عن جده!

ومتى استطعنا أن نضبط الروايات التي قيل بأنها مضطربة، ونستخلص الصواب لا نضعف الحديث بالاضطراب كما فعل الألباني وغيره.

قال ابن ماجة في ((سننه)) (1/661): سمعت أبا الحسن علي بن محمد الطنافسي يقول: "ما أشرف هذا الحديث".

2- تجهيله لنافع بن عجير تبعاً لابن القيم لا يتجه، وهو تابعي ابن أخي ركانة، وهذه الطبقة من التابعين من أبناء هؤلاء المعروفين وإن كنا لا نعرف الكثير عن أحوالهم إلا أنهم من أهل الصدق إن شاء الله.

3- دعواه بأن ابن حبان تناقض في ذكر نافع مرة في الصحابة ومرة في التابعين، ليس بصحيح. وهذا لا يؤكد جهالة نافع كما زعم الشيخ –رحمه الله-.

فابن حبان عندما ذكره في الصحابة ذلك لأن بعضهم ذكر له صحبة، وذكره في التابعين لأن بعضهم ذكره فيهم، وهذا لا يعد تناقضاً؛ لأن منهج ابن حبان في المختلف فيهم من الصحابة أنه يوردهم هنا وهناك، وهذا يرفع عنه الجهالة لا أن يؤكد جهالته؛ لأن بعضهم عده صحابياً. وإن كنت أرى أنه تابعي. وهو من ثقات التابعين، ومن آل بيت ركانة، فكيف يكون مجهولاً؟! ولو كان مجهولاً لما قال عنه ابن حجر فيما نقله الشيخ: "قيل: له صحبة". فإن من منهج ابن حجر أنه إذا اختلف في راو بأنه صحابي أو تابعي فإنه لا يوهنه. وقد ردّ ابن حجر نفسه على من جهّل نافعاً، فقال في ((تهذيب التهذيب)) (7/148) بعد أن ذكر نسبه وشيئاً من أخبار أبيه: "وغفل ابن حزم عن هذا كله فقال: نافع وأبوه مجهولان".

4- الحديث الآخر الذي ذكره الألباني لنافع أخذه من كلام ابن حجر في ((الإصابة)) (6/409) فإنه قال: "وجاء عن نافع بن عجير حديث آخر متنه: عليّ صفيي وأميني. أخرجه وذكره ابن حبان في الصحابة".

قلت: الحديث أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (5/128) عن زكريا بن يحيى، قال: حدثنا ابن أبي عمر وأبو مروان قالا: حدثنا عبدالعزيز، عن يزيد بن عبدالله بن الهاد، عن محمد بن نافع بن عجير، عن أبيه، عن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما أنت يا علي، فصفيي وأميني)).

وأخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (2/891- طبعة د. الجوابرة) عن محرز بن سلمة وأبي مروان العثماني، عن عبدالعزيز الدراوردي، مثله.

وهذا جزءٌ من حديث طويل رواه ابن أبي عمر في ((مسنده)) قال: حدثنا عبدالعزيز ابن محمد الدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن نافع بن عجير، عن أبيه، عن علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: ((خرج زيد بن حارثة إلى مكة، فقدمت ابنة حمزة ابن عبد المطلب، فقال جعفر بن أبي طالب: أنا آخذها وأنا أحق بها: ابنة عمي وعندي خالتها، وإنما الخالة أم، وهي أحق. وقال علي: بل أنا أحق بها: هي ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله، وهي أحق بها، وإني لأرفع صوتي ليسمع رسول الله حُجتي قبل أن يخرج. وقال زيد: بل أنا أحق بها: خرجت إليها وسافرت وجئت بها. فخرج رسول الله، فقال: ما شأنكم؟ فقال علي: ابنة عمي، وأنا أحق بها، وعندي ابنة رسول الله، تكون معها أحق بها من غيرها. وقال جعفر: أنا أحق بها يا رسول الله، ابنة عمي وعندي خالتها، والخالة أم، وهي أحق بها من غيرها. وقال زيد: بل أنا أحق بها خرجت إليها وتجشمت السفر، أنفقت فأنا أحق بها. فقال رسول الله: سأقضي بينكما في هذا وفي غيره. قال علي: فلما قال رسول الله: وفي غيره. قلت: نزل القران، رفعنا أصواتنا! فقال رسول الله: أما أنت يا زيد فمولاي ومولاهما. قال: قد رضيت يا رسول الله. قال: وأما أنت يا جعفر، فأشبهت خلقي وخلقي، وأنت من شجرتي التي خلقت منها. قال: رضيت يا رسول الله. قال: وأما أنت يا علي، فصفيي وأميني)).

قال يزيد بن الهاد: فذكرت ذلك لعبدالله بن حسن، فقال: إنه قال: أنت مني وأنا منك. قال: رضيت يا رسول الله. قال: وأما الجارية فقد قضيت بها لجعفر تكون مع خالتها والخالة أم. قالوا: سلمنا يا رسول الله)). (ذكره ابن حجر في المطالب العالية: 8/384-385).

قال البزار في ((مسنده)) (3/106): "ولا نعلم روى عجير أبو نافع عن علي إلا هذا الحديث، ولا نعلم له طريقاً عن نافع عن أبيه عن علي إلا من هذا الطريق".

قلت: أنكر عبدالله بن حسن ان يكون قوله: ((أما أنت يا علي فصفيي وأميني)) محفوظاً في الرواية! وهذه القصة صحيحة إلا أن ما جاء فيها من قوله هذا منكر، وكذلك قوله ((وأنت من شجرتي التي خلقت منها)).

ولهذا لا يصح قول الدكتور الجوابرة أثناء تعليقه على رواية: ((فصفي وأميني)) بقوله: "إسناده صحيح رجاله ثقات"! نعم هو كذلك، ولكن هذا اللفظ منكر! وكذلك لا يصح إطلاق الألباني على الحديث كلّه بأنه منكر كما هو ظاهر تصرفه! فإن البخاري أخرجه في ((صحيحه)) (4/1551) عن عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: ((لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة...)) الحديث بطوله، وفيه: ((فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم. فتناولها علي فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، احمليها. فاختصم فيها علي وزيد وجعفر. قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي. وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: الخالة بمنـزلة الأم. وقال لعلي: أنت مني وأنا منك. وقال لجعفر: أشبهت خَلقي وخُلقي. وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا. وقال علي: ألا تتزوج بنت حمزة؟ قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة)).

وأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (5/168) وفي ((خصائص عليّ)) من طريق عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل. ثُم قال: "خالفه يحيى بن آدم! فروى آخر هذا الحديث عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ وهبيرة بن يريم عن علي". ثُم ساقه من هذه الطريق.

قلت: لم يتفرد يحيى بذلك، بل تابعه حجاج بن محمد المصيصي الأعور كما هو عند أحمد في ((المسند)) (1/115) فإنه رواه عن حجاج، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، وهبيرة ابن يريم، عن علي.

بل إن عبيدالله بن موسى نفسه رواه هكذا أيضاً. قال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/5): "وروى إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة ابنة حمزة عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ وهبيرة عن علي رضي الله عنه. وكذلك رواها عبيدالله بن موسى مرة أخرى منفردة. ورواه زكريا بن أبي زائدة وغيره عن أبي إسحاق".

قلت: وحديث عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ وهبيرة عند ابن أبي شيبة في ((المصنف))، والحاكم في ((المستدرك))، وعند غيرهما.

5- قال الألباني: "وضعفه أيضاً البخاري. حكاه المنذري عنه كما في ((الزاد))، وسبق إعلاله إياه بالاضطراب. وقال الحافظ في ((التلخيص)) (3/213): ((واختلفوا هل هو من مسند ركانة أو مرسل عنه، وصححه أبو داود وابن حبان والحاكم، وأعله البخاري بالاضطراب. وقال ابن عبدالبر في ((التمهيد)): ضعفوه، وفي الباب عن ابن عباس. رواه أحمد والحاكم، وهو معلول أيضاً)).

قلت: تصحيح أبي داود ذكره عنه الدارقطني عقب الحديث، وليس هو في ((سنن أبي داود)). نعم قد قال عقبه: ((وهذا أصح من حديث ابن جريج ((أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً))؛ لأنهم أهل بيته، وهم أعلم به، وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني رافع عن عكرمة عن ابن عباس)).

فإذا كان قول أبي داود هذا، هو عمدة الدارقطني فيما عزاه إليه من التصحيح، ففيه نظرٌ كبير. لأن قول المحدث: ((هذا أصح من هذا)) إنما يعني ترجيحاً في الجملة، فإذا كان المرجح عليه صحيحاً كان ذلك نصاً على صحة الراجح، وإذا كان ضعيفاً لم يكن نصاً على الصحة، وإنما على أنه أحسن حالاً منه، هذا ما عهدناه منهم في تخريجاتهم، وهو ما نصوا عليه في ((علم المصطلح))". انتهى.

قلت:

1- البخاري لم يضعف الحديث بكل طرقه، وإنما أعل طريق الزبير بن سعيد عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة فقط. وأما طريق نافع بن عجير فلم يتعرض لها.

2- ما نقله ابن حجر عن ابن عبدالبر في ((التمهيد)): "ضعفوه"! فيه إيهام بأن ابن عبدالبر يضعف الحديث، وهذا ليس بصحيح؛ وإنما هو ناقل لمن ضعفه، وإلا فهو يرى صحته، فقال في ((الاستذكار)) (6/12): "رواية الشافعي لحديث ركانة عن عمّه أتم، وقد زاد زيادة لا تردها الأصول، فوجب قبولها لثقة ناقلها. والشافعي وعمّه وجدّه أهل بيت ركانة من بني المطلب بن مناف، وهم أعلم بالقصة التي عرض له".

3- نعم، عمدة الدارقطني وغيره قول أبي داود هذا، وواضح وبيّن أن أبا داود يصحح الحديث، وهذا ما فهمه الأئمة كالدارقطني وابن حجر وغيرهما، ولهذا نسبوا التصحيح إليه. ولكن الشيخ الألباني أبى إلا أن يخالفهم في هذا الفهم!

وما اعتمد عليه الشيخ من أن قول المحدث: "هذا أصح من هذا" يعني ترجيحاً في الجملة، وبقية كلامه المصطلحي الجامد له وجهة، ولكن ليس في هذا الموضع!

فلو أن أبا داود اقتصر في كلامه على: "هذا أصح من هذا" فقط، لكان كلام الألباني صحيحاً! ولكنه أتى بما يدل على تصحيحه للرواية بقوله: "لأنهم أهل بيته، وهم أعلم به"، وهذا تصحيح لحديثهم؛ وإلا لما كان لهذا الكلام معنى.

ولم يقتصر كلام أبي داود على ذلك مرة واحدة في ((سننه))، وإنما كرر ذلك أخرى (2/259) فقال: "وحديث نافع بن عجير وعبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنّ ركانة طلق امرأته ألبتة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم أصح؛ لأن ولد الرجل وأهله أعلم به، إن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة".

6- قال الألباني: "على أننا نرى أن حديث ابن جريج أرجح من حديث نافع بن عجير؛ لأنه من طريق عبدالرزاق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: ((طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة...))".

قال الشيخ: "أخرجه أبو داود (2196) وعنه البيهقي (7/339). وأخرجه الحاكم (2/491) من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عكرمة به. وقال: ((صحيح الإسناد)) وردّه الذهبي بقوله: ((محمد واه، والخبر خطأ. عبد يزيد لم يدرك الإسلام)). وقال في ((التجريد)) (2/360): وهذا لا يصح، والمعروف أن صاحب القصة ركانة)).

قلت: وهذا الإسناد - وإن كان ضعيفاً - لجهالة البعض من بني رافع أو ضعفه لكنه قد توبع، فقال الإمام أحمد (1/265): حدثنا سعد بن إبراهيم: حدثنا أبي: عن محمد بن إسحاق: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: ((طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثاً في مجلس واحد...)).

ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي (7/339) وقال: ((وهذا الإسناد لا تقوم به حجة مع ثمانية رووا عن ابن عباس فتياه بخلاف ذلك، ومع رواية أولاد ركانة أن طلاق ركانة كان واحدة)).

قلت: هذا الإسناد صححه الإمام أحمد والحاكم والذهبي وحسنه الترمذي في متن آخر تقدم برقم (1921)، وذكرنا هناك اختلاف العلماء في داود بن الحصين وأنه حجة في غير عكرمة، ولولا ذلك لكان إسناد الحديث لذاته قوياً، ولكن لا يمنع من الاعتبار بحديثه والاستشهاد بمتابعته لبعض بني رافع، فلا أقل من أن يكون الحديث حسناً بمجموع الطريقين عن عكرمة، ومال ابن القيم إلى تصحيحه وذكر أن الحاكم رواه في ((مستدركه)) وقال: إسناده صحيح، ولم أره في ((المستدرك)) لا في الطلاق منه، ولا في الفضائل، والله أعلم. وقال ابن تيمية في ((الفتاوي)) (3/18): ((وهذا إسناد جيد)). وكلام الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (9/316) يشعر بأنه يرجح صحته أيضاً، فإنه قال: ((أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه من طريق محمد بن إسحاق، وهذا الحديث نص في المسألة لا يقبل التأويل الذي في غيره من الروايات الآتي ذكرها. وقد أجابوا عنه بأربعة أشياء...)).

ثُم ذكر الحافظ هذه الأجوبة مع الجواب عنها. ثُم قال: ((ويقوي حديث ابن إسحاق المذكور ما أخرجه مسلم...)) ثُم ساق الحديث، وقد ذكرته في الحديث المتقدم من طريق طاوس.

وجملة القول أن حديث الباب ضعيف، وأن حديث ابن عباس المعارض له أقوى منه. والله أعلم". انتهى كلام الشيخ على هذا الحديث.

قلت:

1- لا أدري كيف يرجح الشيخ الحديث المتصل الصحيح على الحديث الذي فيه مجهول؟!

2- قوله بترجيح حديث ابن جريج؛ لأنه من طريق عبدالرزاق عجيب! فهل رواية عبدالرزاق له تنفي عن الإسناد الجهالة؟!

3- ترجيح أبي داود لحديث نافع أولى عندنا من ترجيح الألباني. قال أبو داود: "وهذا - أي حديث طلاق البتة - أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً؛ لأنهم أهل بيته وهم أعلم به. وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس".

وقال الخطابي: "في إسناد هذا الحديث مقال؛ لأن ابن جريج إنما رواه عن بعض بني أبي رافع، ولم يسمه، والمجهول لا تقوم به الحجة ".

وقال ابن حزم في ((المحلى)) (10/168): "وهذا لا يصح؛ لأنه عن غير مسمى من بني أبي رافع، ولا حجة في مجهول، وما نعلم في بني أبي رافع من يحتج به إلا عبيدالله وحده، وسائرهم مجهولون".

قلت: بل بني أبي رافع مشهورون وإن كان بعضهم ضعفاء، وابن حزم يسرف في تجهيل الرواة!

وقد ذكر المزي في ((تهذيب الكمال)) (35/92): "عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة الحديث. ممن روى عنه ابن جريج من ولد أبي رافع الفضل بن عبيدالله بن أبي رافع. روي عنه عن جده أبي رافع في الأمر بقتل الكلاب".

وكأن ابن حجر مال إلى ذلك، فقال في ((تهذيب التهذيب)) (12/400): "يحتمل أن يكون هو الفضل بن عبيدالله بن أبي رافع". وقال في ((التقريب)) (ص735): "كأنه الفضل بن عبيدالله بن أبي رافع".

قلت: هذا بعيد! لأن ابن جريج يروي عن رجل عن الفضل. فروى حديث الأمر بقتل الكلاب عن عباس بن أبي خداش عن الفضل عن جده أبي رافع.

وذكر ابن حجر هذا الحديث وحديث نافع بن عجير في ((الإصابة)) (4/385) ثُم قال: "إن كان خبر ابن جريج محفوظاً فلا مانع أن تتعدد القصة، ولا سيما مع اختلاف السياقين. وشيخ ابن جريج الذي وصفه بأنه بعض بني رافع لا أعرف من هو؟".

قلت: اتفق أهل العلم أن عبد يزيد والد ركانة لم يدرك الإسلام فكيف تقع القصة له ولابنه؟!

4- رواية الحاكم في ((المستدرك)) (2/533) من طريق يزيد بن المبارك عن محمد ابن ثور عن ابن جريج عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

قلت: أنى له الصحة ومحمد بن عبيدالله منكر الحديث! والصواب في تحديد بعض بني رافع هو هذه الرواية، فإن محمد بن ثور من الثقات، وكأن ابن جريج كان يبهمه أحياناً فيقول عن بعض بني رافع، وسماه مرة، فضبطه عنه محمد بن ثور.

ومحمد بن عبيدالله بن أبي رافع قال فيه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/171): "منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء".

فإذا تبيّن هذا فيكون محمد بن عبيدالله بن أبي رافع سمع هذا الحديث من داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، فأسقط داود من الرواية وأتى بهذا الخبر المنكر.

5- كيف قوّى الألباني حديث ابن جريج بحديث داود بن حصين؟! فحديث ابن جريج رجع إلى حديث داود كما بينته. وإن كنت مخطئاً في هذا فكيف يكون هذا الذي من بعض بني رافع تابعه داود؟! فالأول القصة فيه لوالد ركانة ولم يدرك الإسلام، والثاني لركانة، ومتنه يختلف عن الأول!

6- كيف لا يَلتفت الألباني إلى قول البيهقي بأن ثمانية رووا عن ابن عباس خلاف هذا الحديث الباطل؟! فلماذا نقله إذن وسكت عنه؟!

7- العجب من الشيخ كيف ينقل عن الأئمة أنهم لا يحتجون برواية داود بن الحصين عن عكرمة! ثُم يقول إن حديثه يعتبر ويستشهد به!

قال عليّ بن المديني في داود بن الحصين: "ما روى عن عكرمة فمنكر الحديث". وقال أبو داود: "أحاديثه عن عكرمة مناكير". (تهذيب الكمال: 8/380-381).

8- أما تصحيح أو تحسين الأئمة لإسناد: داود عن عكرمة عن ابن عباس؛ فليس على إطلاقه! نعم داود لا بأس به؛ ولكن له مناكير عن عكرمة. والحديث الذي صححوه له عن عكرمة في قصة رد زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص بن الربيع. ومع ذلك فإن الترمذي قال بعد أن خرّجه في ((الجامع)) (3/448): "هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث! ولعله قد جاء هذا من قِبل داود بن حصين من قِبل حفظه".

ثُمّ إن المنذري حكى أن الإمام أحمد بن حنبل كان يضعف طرق حديث تطليق ركانة زوجته ثلاثاً كلها. (عون المعبود: 6/193).

9- نقله عن ابن تيمية أنه قال: "وهذا إسناد جيد" في الفتاوي (3/18)! هكذا أحال وهو خطأ، وهو في ((الفتاوى)) (33/73).

وقول ابن تيمية بأن إسناده جيد إنما هو بالنسبة لظاهره؛ ولكنه منكر، وهو مخالف لما روي عن ابن عباس في فتواه كما قال البيهقي.

10- رأي الشيخ بأن كلام ابن حجر يشعر بأنه يرى صحة الحديث، فيه نظر! فابن حجر نقل هذا المذهب عن ابن إسحاق صاحب المغازي، وابن إسحاق استدل بهذا الحديث عن داود، ثم نقل ابن حجر ما قد يعترض على مذهب ابن إسحاق، وهذا لا يعني أنه يصحح الحديث. ثُم إن الوجه الثالث الذي ذكره يؤكد ذلك، ولهذا لم ينقل الشيخ الألباني هذه الوجوه!

قال ابن حجر في ((الفتح)) (9/363): "الثالث أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة، وهو تعليل قوي لجواز أن يكون بعض رواته حمل البتة على الثلاث فقال طلقها ثلاثاً، فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس".

وعلى فرض أن ابن حجر يرى صحة الحديث، فإن غيره لا يرى صحته كأبي داود وغيره. وابن حجر –رحمه الله- عنده تساهل أثناء شرحه لصحيح البخاري، فإنه كان يشرح في مسألة العنين، فقال في (9/469): "وأما ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها، ففرق بيني وبينه. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد طلقها وراجع أم ركانة، ففعل. فليس فيه حجة لمسألة العنين".

قلت: قد تبين ان هذا الحديث منكر! فكان ينبغي على الحافظ عدم التعرض له موهماً أن أبا داود خرجه ولم يتكلم عليه! بل إنه خرجه وضعفه وقدم عليه حديث نافع بن عجير كما سبق.

11- قوله بأن حديث الباب ضعيف وحديث ابن عباس المعارض له أقوى منه غير صحيح، والصواب عكس ما قال.


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

شاركنا تعليقك