الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

خلطٌ وأوهام في تراجم عند ابن حبان! وتنبيهات مهمة!

خلطٌ وأوهام في تراجم عند ابن حبان! وتنبيهات مهمة!

 

بقلم: أبي صهيب الحايك.

 

· التراجم من ثقات ابن حبان:

ذكر ابن حبان في طبقة التابعين من ((الثقات)) (5/196): "عروة بن رويم اللخمي، من أهل الشام. يروي عن أبي ثعلبة الخشني. روى عنه الأوزاعي وابن شبرمة. مات سنة خمس وعشرين ومئة. سكن في آخر عمره البصرة. كان يخرج بالليل إذا هدأت العيون فينادي: يا أهل البصرة، أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون: الصلاة الصلاة".

ثُم ذكر بعد ترجمتين: "عروة بن رويم اللخمي، من أهل الشام. يروي عن أنس بن مالك وعبدالله بن قرط. روى عنه أهل الشام. مات سنة خمس وثلاثين ومئة بذي خشب، فحُمل ودفن في المدينة. وكان يسكن قرية يقال لها: سرية من كور غزة من بلاد فلسطين. وقد قيل: إنه مات سنة ثنتين وثلاثين ومئة".

ثُم ذكر في طبقة أتباع التابعين (7/287): "عروة بن رويم اللخمي، يروي عن هشام بن عروة. روى عنه أهل الشام. مات سنة خمس وثلاثين ومئة".

· بيان الخلط في التراجم وتعقّب المعلمي -رحمه الله-:

قلت: حصل خلطٌ في هذه التراجم! أما الأولى فذكر المحقق المعلمي اليماني أنه وقع في الأصول كلّها: "عروة بن أذينة"، وقال بأن هذا خطأ!

قلت: بل هو الصواب مع أن ابن حبان خلط في ترجمته أيضاً!! فعروة بن أذينة روى عن عبدالله بن عمر، وهو الذي سكن آخر عمره البصرة. فخلط ابن حبان بينه وبين عروة بن رويم الذي ذكره ثانياً!

روى ابن عساكر في ((تاريخه)) (40/210) من طريق إسحاق بن إسماعيل عن جرير عن مغيرة قال: "كان عروة بن أذينة إذا نام الناس بالبصرة خرج فنادى في سككها: يا أهل البصرة، الصلاة الصلاة، ثم يتلو هذه الآية: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون}".

وأما الذي يروي عنه الأوزاعي فهو عروة بن رويم اللخمي الذي قيل إنه يروي عن أبي ثعلبة الخشني.

وما ذكره ابن حبان في الترجمة الثانية صحيح.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/33): "عروة بن رويم اللخمي: سمع أبا ثعلبة. قاله زكريا عن حماد بن أسامة عن أبي فروة عن عروة، وهو الشامي. قال الحسن عن ضمرة: مات سنة خمس وعشرين ومئة. روى عنه الأوزاعي".

· الخلاف في سنة وفاة عروة بن رويم:

قال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (7/162): "قال البخاري عن الحسن بن واقع عن ضمرة: مات سنة خمس وعشرين. وكذا قال مطين، وهو وهم. وقال حيوة بن شريح وغير واحد عن ضمرة: مات سنة خمس وثلاثين ومئة. وقال أبو عبيد سنة 31. وقال ابن سعد وخليفة: سنة اثنتين، زاد ابن سعد: وكان كثير الحديث. وقال خليفة في موضع آخر: سنة ستة. وقال أبو مسهر: مات بذي خشب وحمل إلى المدينة فدفن بها سنة 45. وقال حنبل عن دحيم: مات سنة 144. قلت: هذا المنقول عن ضمرة من طريق البخاري ثابتٌ في ((التاريخ الكبير))؛ وكأنه سبق قلم! فإن البخاري قال في ((التاريخ الأوسط)): حدثني الحسن بن واقع: أخبرنا ضمرة: سمعت ابن عطاء الخراساني يقول: مات أبي سنة 35. قال: وحدثني الحسن عن ضمرة: مات عروة بن رويم فيها. وقال ابن حبان في ((الثقات)) -ومعوله على البخاري-: مات سنة خمس وثلاثين. قال: وقد قيل إنه مات سنة اثنتين. وقال ابن أبي حاتم في ((المراسيل)) عن أبي زرعة: لم يسمع من ابن عمر".

ورجّح ابن حجر في ((التقريب)) أنه توفي سنة (135هـ) على الصحيح، والله أعلم.

· رواية عروة بن رويم عن عبدالرحمن بن قُرْط:

وما جاء في مطبوع ابن حبان أنه يروي عن عبدالله بن قرط خطأ، والصواب: "عبدالرحمن بن قُرْط".

وحديثه عن عبدالرحمن بن قرط رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/111) عن علي بن عبدالعزيز قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا مسكين بن ميمون مؤذن مسجد الرملة، قال: حدثنا عروة بن رويم، عن عبدالرحمن بن قرط: ((أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الاقصى، فلما رجع كان بين المقام وزمزم وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات السبع، فلما رجع قال: سمعت تسبيحاً في السماوات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما علا، سبحان العلي الأعلى، سبحانه وتعالى".

قال الطبراني: "لا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. تفرد به سعيد بن منصور".

وقال أبو نُعيم في الجزء الذي جمعه من عوالي سعيد (ص37): "هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ لم يروه عن عروة بن رويم غير مسكين بن ميمون فيما قالوا. وعبدالرحمن بن قرط يعد في الصحابة، وتفرد بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر التسبيح، ومسكين بن ميمون هو الرملي، وروى عنه هشام بن عمار وغيره هذا الحديث".

وقال الذهبي في ((الميزان)) (6/412): "مسكين بن ميمون مؤذن الرملة: لا أعرفه، وخبره منكرٌ".

· وهم سعيد بن منصور وبيان سببه، وتعقّب أبي حاتم الرازي والذهبي!

قلت: نعم، الحديث منكرٌ جداً!! وقد تفرد بوصله سعيد بن منصور، ورواه غيره فأرسله. قال ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)) (2/396): قال أبي: "رواه هشام بن عمار وأبو هارون البكاء عن مسكين عن عروة قال: لما عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عبدالرحمن بن قرط". قلت لأبي: ماهذا؟ قال: "سعيد ثقة، وإن كان شيء فمن مسكين هذا! كان شيخاً".

قلت: لا علاقة لمسكين بهذا الحديث، وإنما العلة فيه الإرسال، وقد وهم سعيد بن منصور بوصله بزيادة عبدالرحمن بن قرط فيه! وهذا معنى قول الطبراني أنه تفرد به، أي بوصله، والصواب فيه الإرسال.

وكأن الوهم دخل على سعيد بن منصور؛ لأن مسكين بن ميمون روى عن عروة بن رويم عن عبدالرحمن بن قرط حديثاً آخر في الجنازة، وهذا الحديث رواه سعيد بن منصور نفسه عن مسكين بن ميمون، قال: حدثني عروة بن رويم قال: ((شهد عبدالرحمن بن قرط جنازة فرأى ناساً تقدموا وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت، ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا إليه، ثم أمر بها فحملت، ثم قال بين يديها وخلفها وعن يسارها وعن يمينها)) (عمدة القاري: 8/112).

فكأن هذا هو سبب الوهم الذي وقع لسعيد بن منصور، والله أعلم.

ومسكين بن ميمون الذي لم يعرفه الذهبي وثقه ابن معين (تاريخ ابن معين/رواية الدوري: 4/471).

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/329): سألت أبي عنه؟ فقال: "هو شيخ".

وروى يعقوب بن سفيان في ((المعرفة والتاريخ)) (2/267) قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا مسكين بن ميمون مؤذن مسجد الرملة، وهو لا بأس به. وقد سمعنا نحن من ابنه وكان لا بأس به".

· ذكر أبي نُعيم لرواية توهم أنها متابعة لسعيد بن منصور!

أخرج أبو نُعيم في ((الحلية)) (2/8) و ((معرفة الصحابة)) (4/1848) عن الطبراني عن علي بن عبدالعزيز البغوي ومحمد بن علي المكي ومعاذ بن المثنى العنبري، كلهم عن سعيد بن منصور، عن مسكين بن ميمون عن عروة بن رويم عن عبدالرحمن بن قرط.

ثُمّ رواه من طريق الحسن بن سفيان عن إسحاق بن منصور قال: حدثنا أبو سليمان، قال: حدثنا مسكين بن ميمون، مثله.

قلت: ظاهر تصرف أبي نعيم أن أبا سليمان هذا تابع سعيد بن منصور في وصله، ولم أعرف من هو أبو سليمان هذا!

وقد نصّ الأئمة على أن سعيد بن منصور تفرد بوصله، فالله أعلم!

قال ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (35/342): "وروى هذا الحديث هشام بن عمار عن مسكين إلا أنه لم ينسبه ولم يسند الحديث".

ثم ساقه من طريق أبي بكر محمد بن خريم، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا مسكين أبو عبدالله المؤدب، قال: حدثنا عروة قال: "لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى فلما رجع كان بين المقام وزمزم أتاه جبريل وميكائيل فطارا به إلى السماء، فسمع تسبيح الملائكة وسمع تسبيحاً في السموات كلها سبحت السموات السبع العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلى لما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى".

فالحديث من مراسيل عروة بن رويم.

ثم ظهر لي في الإسناد الثاني الذي ساقه أبو نعيم في ((الحلية)) و((معرفة الصحابة)): (الحسن بن سفيان عن إسحاق بن منصور قال: حدثنا أبو سليمان، قال: حدثنا مسكين بن ميمون)، ظهر لي أن "أبا سليمان" هذا هو محرّف عن "أبي عثمان" وهي كنية سعيد بن منصور.

وكأن الإسناد عند أبي نعيم فيه تحريف! (فالحسن بن سفيان عن إسحاق بن منصور) لا يُعرف! ويشبه أن يكون الإسناد: "الحسن بن سفيان عن إسحاق: حدثنا سعيد بن منصور أبو عثمان: حدثنا مسكين بن ميمون)، فرجع الحديث إلى سعيد بن منصور، والله أعلم.

· وهم في رواية حديث الجنازة السابق أحسّ به ابن عساكر فأصاب!

روى ابن عساكر هذا الحديث في ((تاريخه)) (35/345) من طريق محمد بن الحسين الحافظ عن محمد بن خريم، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا مسكين المؤذن، قال: حدثنا عروة بن رويم أنه شهد جنازة عبدالرحمن بن قرط، فرأى الناس قد تقدموا فأبعدوا وتأخروا مثل ذلك، فأمر بالجنازة فوضعت، ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا، ثم أمر بها فحملت، وقال بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن يسارها.

قال ابن عساكر: "كذا قال! ولعله شهد جنازة شهدها عبدالرحمن، والله أعلم".

قلت: ما قاله ابن عساكر هو الصواب فإنه شهد جنازة شهدها عبدالرحمن، والحمد لله.

· تعقّب أبي حاتم الرازي!

والعجب من أبي حاتم فإنه علل هذا الحديث! وقال في موضع آخر بأن عبدالرحمن بن قرط روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم!

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/276): "عبدالرحمن بن قرط. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى المسجد الأقصى. وكان من أصحاب الصفة. روى عنه عروة بن رويم. سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: أما أنه من أصحاب الصفة فصحيح، وأما أنه روى هذا الحديث فلا؛ والصواب فيه الإرسال.

· وهم لابن حجر يتعلق بهذا الحديث في ((الإصابة))!

الحديث السابق رواه جماعة عن سعيد بن منصور عن مسكين عن عروة عن عبدالرحمن بن رويم. وخالفه غيره فأرسله. وقد عكس الأمر ابن حجر أثناء الكلام على هذا الحديث في الإصابة! قال –رحمه الله- في ((الإصابة)) (4/354): "وروى البخاري وابن السكن من طريق مسكين المؤذن: حدثني عروة بن رويم عن عبدالرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان بين المقام وزمزم جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات السبع، فلما رجع قال: سمعت تسبيحاً في السماوات العلى، الحديث. وأخرجه سعيد بن منصور عن مسكين لكن أرسله".

قلت: وهم ابن حجر في هذا! فسعيد لم يرسله بل وصله، وغيره أرسله كما سبق. وحديث هشام بن عمار عن مسكين عن عروة مرسل في ((تاريخ دمشق)) (35/342) كما سبق بيانه.

وقول ابن حجر إن البخاري رواه لما أجده في تواريخه! فيحتمل أن ابن حجر وهم في ذلك، والله أعلم.

· الكلام على الترجمة الثالثة عند ابن حبان:

الترجمة الثالثة ذكرها ابن حبان في أتباع التابعين، وهو بهذا يُفرّق بينه عروة بن رويم الذي روى عن هشام بن عروة، وبين عروة بن رويم التابعي، وهذا صحيحٌ بالنظر إلى الطبقة، فإن عروة بن رويم التابعي لا يروي عن هشام بن عروة.

وعمل الطبراني في إخراجه لحديثه أنه هو التابعي عروة بن رويم، فإنه ذكره في حديثه في ((مسند الشاميين)) (1/307) فقال: "عروة بن رويم عن هشام بن عروة"، ثم ساق الحديث.

بل صرّح بأنه هو التابعي الذي روى عن أنس. فأخرج الحديث في ((المعجم الأوسط)) (4/48) و ((المعجم الصغير)) (1/274) عن داود بن السرح الرملي قال: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، قال: حدثني أبي هشام بن يحيى، عن عروة بن رويم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو تيسير عسير، أعانه الله على إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام)).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا عروة بن رويم اللخمي -وكان تابعياً ثقة سمع من أنس بن مالك-، تفرد به يحيى الغساني، ولم يروه عنه إلا ابنه إبراهيم".

والحديث رواه ابن حبان في ((صحيحه)) (2/287) عن جماعة عن إبراهيم بن هشام الغساني، به.

وقد أخطأ ابن حبان في ذكره في الثقات اعتماداً على هذا الحديث؛ لأن فيه رجل متهم بالكذب، وهو إبراهيم بن هشام الغساني.

قال ابن أبي حاتم عن أبيه: "وأظنه لم يطلب العلم، وهو كذاب". قال ابن أبي حاتم: فذكرت لعلي بن الحسين بن الجنيد بعض هذا الكلام عن أبي، فقال: "صدق أبو حاتم ينبغي أن لا يحدث عنه".

وذكر الذهبي في ((الميزان)) في ترجمة ((يحيى بن سعيد القرشي)) أن إبراهيم هذا متروك.

· خطأ آخر لابن حبان!

قال ابن حبان في ((الثقات)) (8/79): "إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس الغساني، أبو إسحاق. يروي عن أبيه وسعيد بن عبدالعزيز وأبي اليمان. عداده في أهل دمشق، كان يسكن بيت لهيا".

قلت: أخطأ ابن حبان بذكر إبراهيم هذا في الثقات! فكأنه لم يعرف من حاله شيئاً، والقول قول أبي حاتم؛ لأنه ذهب إليه ورأى حديثه وتبيّن له أنه كذاب.

 

وكتب خالد الحايك.

18 ربيع الثاني 1429هـ.

24 نيسان 2008م.

شاركنا تعليقك